السلوك العدواني وأنماطه

بسمك اللهم


الموضوع منقول نتمنا تستفيدو منو
السلوك العدواني وأنماطه


الدكتورة / ابتسام عبد الله الزعبي

العدوان مفهوم عُرف منذ عُرف الإنسان إما في علاقته بالطبيعة أو في علاقة الإنسان بالإنسان، وهو معروف في سلوك الطفل الصغير وفي سلوك الراشد، في سلوك الإنسان السوي والإنسان المريض، وإن اختلفت الدوافع والوسائل والأهداف والنتائج. ولغموض مفهوم العدوان وتعدد معانيه وتداخله مع غيره من المفاهيم السيكولوجية الأخرى، مثل العدائية والعدوانية والعنف والإرهاب والغضب، وتداخل العوامل والنظريات المفسرة للسلوك العدواني، وكذلك النظرة بمعنى هل العدوان مرفوض بصوره وأشكاله المختلفة أم أن العدوان سلوك طبيعي له وظيفته في الحفاظ على الحياة والبقاء ؟ أدى ذلك إلى تعدد تعريفات العدوان وهذا ما سوف تتناوله الباحثة فيما يأتي :
ففي اللغة: يقال في الظلم قد عدا فلان عَدْواً وعُدُواً وعدواناً وعَداءً أي ظلم ظلماً جاوز فيه القدر. وعدا عدواً ظلم وجار والاعتداء والتعدي والعدوان والظلم . (ابن منظور : د.ت، 260)
وفي معجم مفردات القرآن ) وَ لا تَعْتَدُواْ إنَّ اْللَّهَ لا يُحبُ اَلْمُعْتَدينَ ((1) فهذا هو الإعتداء على سبيل الابتداء لا على سبيل المجازاه لأنه قال: )يَاأيُّهَا اْلَذَينَ ءَاْمَنُوْا فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاْعْتَدُاْ عَلَيْه بمثْل مَاْ اْعْتَدَى عَلَيْكُمْ( (2) أي قابلوه بحسب اعتدائه، وتجاوزوا إليه بحسب تجاوزه.
( الأصفهاني:د.ت، 338)
وفي الإصطلاح : هناك تعريفات كثيرة للسلوك العدواني ومن وجهات نظر متعددة فقد عرفه كار وآخرين Carre, E.et al,1990:101-117) (بأنه " الأفعال العنيفة والموجهة ضد الأخرين أو ضد الممتلكات " .
وتُعرَّف عجلان (1991 :25) السلوك العدواني بأنه " أنماط سلوكية غير مرغوبة يرمي بها الفرد إلى إيقاع الضرر المعنوي أو المادي بشخص ما أو شيء ما، وتدمير الأشياء والممتلكات" .
كما تُعرَّفه أبو غزاله (1992 ،13) بأنه " سلوك يصدره الفرد لفظياً كان أو مادياً، مباشراً أو غير مباشر إيجابياً أو سلبياً، ويكون متعارضاً مع معايير الجماعة ويترتب عليه إلحاق أذى بدني أو مادي أو نفسي بالشخص نفسه صاحب السلوك أو بالآخرين " .
ويعرفه إسماعيل (1993 ،123) بأنه "سلوك يؤدي إلى إيقاع الأذى بالآخرين إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو بصورة صريحة أو مستترة، أو مادية أو نظرية، وقد يكون سلبياً أو إيجابياً وبصورة مقبولة اجتماعياً أو غير مقبولة اجتماعياً ".
ويُشير حافظ وقاسم (1993 ،20) إلى العدوان بأنه سلوك ينطوي على شيء من القصد والنية، يأتي به الفرد في مواقف الإحباط التي يعاق فيها إشباع دوافعه، أو تحقيق رغباته فتنتابه حالة من الغضب وعدم الاتزان تجعله يأتي بسلوك يسبب أذى له أو للآخرين، والهدف من ذلك السلوك تخفيف الألم الناتج عن الشعور بالإحباط والإسهام في إشباع الدافع المحبط، فيشعر الفرد بالراحة ويعود الاتزان إلى شخصيته.
(1) سورة البقرة ،آية (190)
(2)سورة البقرة ،آية (194)

ويُعرَّف "بينيجر" Baenninger (1994:39) السلوك العدواني بأنه " كل سلوك لفظي أو بدني يقصد به المعتدي إيذاء الشخص الآخر".
وتُوضَّح قناوي (1995 ،307) إلى أن العدوان نوع من السلوك الذي يستهدف إيذاء الآخرين أو يسبب القلق لهم، ويتضمن تدمير الممتلكات والهجوم اللفظي ومقاومة ما يوجه إلى الفرد من طلبات أو أوامر.
ويُعرَّف فايد (2007 ،13) العدوان بأنه " أي سلوك يتسم بالأذى أو التدمير أو الهدم سواء أكان موجهاً ضد الآخرين أو ضد الذات، وسواء تم التعبير عنه في شكل بدني أو في شكل لفظي ".
ويُعرَّف عمارة(2008، 18) السلوك العدواني بأنه" سلوك يمكن ملاحظته وتحديده وقياسه، ويأخذ صوراً وأشكالاً متعددة، وهو إما أن يكون سلوكاً بدنياً أو لفظياً، مباشراً أو غير مباشر، تتوفر فيه صفة الاستمرارية والتكرار، ويعبر عن انحراف الفرد عن معايير الجماعة، مما يترتب عليه إلحاق الأذى والضرر البدني والنفسي والمادي بالآخرين وقد يتجه هذا السلوك إلى إلحاق الأذى بالفرد نفسه".
وترى الباحثة مما سبق أن كل التعريفات اتفقت على أن السلوك العدواني هو السلوك الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى بالفرد ذاته أو بالآخرين؛ إلا أن التعريفات اختلفت في مصدر العدوان أو تفسيره فالبعض يرى أنه نتيجة حتمية للإحباط أو مواقف الغضب أو المنافسة الزائدة. كما اختلفت التعريفات أيضاً في تصنيف العدوان فالبعض يصنفه إلى عدوان مباشر وعدوان غير مباشر وعدوان بدني وعدوان لفظي وعدوان سلبي وعدوان إيجابي.
كما لاحظت الباحثة على بعض التعريفات السابقة أنها أشارت إلى نية (القصد) في الإيذاء بطريقة معينة وكذلك ( الهدف)، كما اشترط بعضهم في السلوك العدواني ضرورة الاستمرارية والتكرار.

أنماط السلوك العدواني:
لقد اختلفت تصنيفات العدوان وتنوعت باختلاف التعريفات المستخدمة لهذا السلوك وفيما يأتي عرض لأهم تصنيفات السلوك العدواني:
يرى عبد السلام (1990 ،81) أن مظاهر وأشكال السلوك العدواني تنقسم إلى الأنواع الآتية:
1) عدوان جسمي: مثل الضرب والدفع والبصق على شخص والقفز واغتصاب شيء والخنق، والعدوان الجسمي قد يتم عند الاستفزاز وبدون استفزاز.
2) عدوان لفظي أو رمزي: مثل التهديد اللفظي والإيماءات والحط من قيمة الآخرين.
3) عدوان على شكل جيشان عاطفي: مثل نوبات الغضب.
4) عدوان غير مباشر: أي الهجوم أو الإيذاء عن طريق شخص آخر أو شيء آخر.
5) عدوان سلبي: كالعناد والمماطلة والتعويق المتعمد.
وقد صنف عبود (1991) السلوك العدواني إلى:
1) عدوان نحو الذات: وهو نوع من العدوان يتجه نحو الذات وتدميرها، ويتمثل في التقليل من شأن الذات، والنظر إليها نظرة دونية، إضافة إلى التعصب ببعض الأفكار الخاطئة وعدم إتباع نصائح الغير من الزملاء والمحيطين بهم.
2) عدوان نحو الآخرين: ويُقصد به العدوان الموجه نحو الغير والخروج عن القوانين والنظم المتعارف عليها والمعمول بها في التعامل بين الناس.
3) عدوان نحو الممتلكات: ويُقصد به إلحاق الضرر المادي، كالتدمير وتخريب ممتلكات الغير من الزملاء والمحيطين وكذلك الممتلكات العامة .
4) عدوان بالخروج عن المعايير العامة السلوكية المتفق عليها: ويقصد به الخروج على القيم والعادات وخاصة القيم الأخلاقية والروحية والدينية وعدم الالتزام ببعض السلوك المقبول اجتماعياً. (عمارة،2008: 25 )

ويرى حمودة (1993،23) أن السلوك العدواني قد يأخذ الأشكال الآتية:
1) عدوان جسمي: ضد الأشخاص الآخرين ويشمل الضرب والعض والتشويه والقتل والاغتصاب الجنسي والسلب بالإكراه تحت تهديد السلاح أو القوة والتنمر على الغير. كما يتجه العنف الجسماني ضد الأشياء بتكسيرها أو حرقها أو إتلافها، وقد يتجه العنف الجسماني نحو النفس بتشويهها أو إيذائها أو قتلها.
2) عدوان لفظي: ويشمل سب وقذف الآخرين بالألفاظ أو إهانتهم وإيلامهم نفسياً والكذب الذي يوقع الفتنة بين الآخرين.
3) عدوان سلبي: يعني عدم مساعدة الآخرين عند الحاجة.
وفي دراسة "باص وبيرى Buss & Perry" (459-452:1992) فقد توصل الباحثان إلى وجود أربعة أشكال أساسية من السلوك العدواني وهي - العدوان البدني Physical Aggression - العدوان اللفظي Varbal Aggression - الغضب Anger العدائية Hostility .
وقد وجد الباحثان أن السلوك العدواني يأخذ الصور الآتية:
أ‌- عدوان بدني يتمثل في الضرب أو العض أو الكسر، وقد يأخذ صورة لفظية تتمثل في السب أو التهكم ، ويمثل هذان البعدان المكون الحركي للسلوك العدواني.
ب‌- قد يوجه إلى الطرف الآخر بصورة مباشرة (إيذائه بدنياً أو لفظياً) أو بصورة غير مباشرة ( إطلاق الشائعات أو الأقاويل).
جـ- يمثل الغضب المكون الانفعالي أو الوجداني للسلوك العدواني فهو يشتمل على الاستثارة الفسيولوجية والاستعداد للعدوان.
د- تمثل العدائية الجانب المعرفي للسلوك العدواني ، بما تشمله من مشاعر الظلم والكراهية والحقد.
ويشير "غاردنر وكول" ( Gardner & Cole.,1990:225-226) إلى أن من أنماط السلوك العدواني العنف الجسدي ضد الآخرين، والممتلكات، والانفعالات الانفجارية، ونوبات الغضب والتصرفات الفوضوية مثل توبيخ الآخرين بشكل ساخر، والتهديدات بالعنف؛ اللفظية منها وغير اللطيفة، والصراخ، والسلبية المفرطة.
وقد اختلفت تصنيفات العدوان وتنوعت باختلاف التعريفات المستخدمة لهذا السلوك فغالباً ما يتم التمييز بين العدوان المتعمد والعدوان غير المتعمد، ويستخدم مصطلح العدوان المتعمد Intentional Aggression للإشارة إلى الفعل الذي يقصد من ورائه إلحاق الأذى بالآخرين، أما العدوان غير المتعمد Unintentional Aggression فهو يشير إلى الفعل الذي لم يكن الهدف منه إيقاع الأذى بالآخرين على الرغم من أنه قد انتهي عملياً بإيقاع الأذى أو بإتلاف الممتلكات. ويصنف العدوان المتعمد إلى عدوان عدائي وعدوان وسيلي، ويشير العدوان العدائي Hostile Aggression إلى الفعل الذي يصدر عن الفرد بهدف تعريض الآخرين للأذى أو الألم ويطلق على هذا النوع من العدوان تسميات أخرى مثل العدوان الناتج عن الغضب Anger Induced Aggression للإشارة إلى أن هذا العدوان يحدث عادة نتيجة لتعرض الشخص للأذى من الآخرين فيستجيب وهو في حالة انفعالية غاضبة. أما العدوان الوسيلي Instrumental Aggression فهو يشمل قيام الشخص باستخدام العدوان كوسيلة للحصول على ممتلكات الآخرين، فهو مجرد وسيلة وليس غاية وكذلك قد يكون عدواناً مباشراً؛ أي فعل عدواني موجه نحو الشخص الذي أغضب المعتدي فتسبب في حدوث العدوان، أو عدوان غير مباشر فهو يتضمن الاعتداء على شخص بديل وعدم توجيهه نحو الشخص الذي تسبب في غضب المعتدي، وغالباً ما يطلق على هذا النوع من العدوان اسم العدوان المزاح.

وكذلك قد يكون العدوان لفظياً مثل الازدراء، السخرية، التهديد، التوبيخ، التنابز بالألقاب، أو هو أي استجابة لفظية ينجم عنها إيذاء نفسي أو اجتماعي للمعتدى عليه؛ مثل جرح المشاعر أو الإساءة إلى السمعة أو الحط من قدر الشخص الآخر ، أو يكون العدوان جسدياً ـ فهو يتضمن الاستجابات التي ينجم عنها أو التي تهدف إلى إيقاع الألم أو الأذى على المعتدى عليه أو التي تشمل إتلاف أو تحطيم شيء ما، مثل الركل، العض، شد الشعر، الضرب، الدفع، وقد يكون عدواناً رمزياً. أي التعبير بطرق غير لفظية عن ازدراء الآخرين أو توجيه الإهانة لهم .(الخطيب، 1992: 224-225 )( Bus and Perry, 1992: 236-244 )
وهناك من يصنف العدوان إلى عدوان مباشر Direct Aggression وهو" ذلك العدوان الذي يوجه مباشرة للشخص أو الشيء المقصود" .
وهناك العدوان المزُاح أو المستبدل Displaced وفيه يوجه الفرد العدوان لشخص أو لشيء ليس هو مقصود.
وهناك أيضاً العدوان المرتد أو الإيذاء الذاتي وفيه يتحول العدوان ويرتد على صاحبه فيشعره بالذنب ويثير فيه الحاجة إلى عقاب الذات؛ فإذا بالشخص قد أصبح يفتش على غير قصد ظاهر عن معاقبة نفسه عقاباً مادياً أو معنوياً. (العيسوي، 1997، 104-111)
تستخلص الباحثة من العرض السابق لصور التعبير عن العدوان أو أشكاله وأبعاده المختلفة أن هناك تعدداً وتبايناً في صور التعبير عن العدوان؛ بل وتداخلاً يمكن أن نجده فيما بينها، وإن كانت جميعها لها غاية واحدة أساسية، هي إلحاق الضرر أو الأذى بالفرد المعتدى عليه (الضحية) سواء أكان هذا هدفاً في ذاته، أو وسيلة لتحقيق شيء معين، أو محاولة للدفاع عن النفس.

وفيما يختص بتصنيف العدوان من حيث اتجاهه نحو الآخرين أو ضد الذات، نجد أن العدوان إذا تعذر تصريفه وتوجيهه إلى المصادر الخارجية المسببة له ارتد وتوجه لينصب على الذات الراغبة في العدوان، وفي هذا الصدد يأخذ العدوان أشكالاً متعددة منها إدمان الخمر والمخدرات.. والانتحار هو قمة العدوان المرتد على الذات.

مفاهيم ذات صلة بالعدوان:
وقد ظهرت مرادفات للعدوان منها: العدائية Hostility و العنف Violence و الغضب Anger إلا أنه يوجد فروق بين تلك المرادفات. وللتمييز بينها أبدأ أولاً بتعريف كل مصطلح من خلال تعريفات القواميس النفسية:
أ- العدائية والعدوان:
يقصد بالعدائية Hostility شعور داخلي بالغضب والعدوان والكراهية موجه نحو الذات أو نحو شخص أو موقف ما. والمشاعر العدائية تستخدم كإشارة إلى الاتجاه الذي يقف خلف السلوك، أو المكون الانفعالي للاتجاه، فالعداوة استجابة اتجاهيه تنطوي على المشاعر العدائية والتقويمات السلبية للأشخاص والأحداث.( سلامة 1993 ،17)
والعدائية حالة انفعالية طويلة المدى، تعمل كمكون معرفي للسلوك العدواني وتظهر كرغبة في إيذاء أو إيقاع الألم بالآخرين. ( Mcuigan, 1999: 16 )
والعدائية غالباً ما تشمل مشاعر الغضب، بالإضافة إلى كونها نظاماً معقداً من الاتجاهات المحفزة للسلوك العدواني نحو تدمير الموضوعات أو إصابة الأشخاص. ويشير "بينس وفيلدمان Beyns & Feldman" ( (1993إلى أن العدائية هي شعور من الغضب متحداً مع رغبة قوية للتعبير عنه. Beyns & Feldman, 1996: 181) )
وبالرغم من الجدل المثار حول الفرق بين العدائية والعدوان، إلا أنه يجب أن نحتفظ بالعدوان كمصطلح سلوكي فقط يصف السلوك العدواني، أياً كانت دوافعه سواء أكانت الدوافع إجرائية أو عدائية وأن نتعامل مع العدائية على أنها العدوان الخفي أو المضمر، وهي الاستعداد والتهيؤ للفعل الذي يظهر في ظروف معينة تهيئ لحدوثه، أو قد لا يظهر هذا الفعل.
( (Kopper & Epperson, 1996:159
مما سبق تجد الباحثة أن العدائية يمكن النظر إليها على أنها" استثارة داخلية" على هيئة مشاعر أو أفكار تتعلق بالغضب والازدراء. بمعنى أنها في الغالب تبقى على هيئة أفكار ومشاعر عدوانية غير معلنة، تطول نسبياً، وتهيئ الفرد للاستجابة بعدوانية بقصد أو بهدف إيذاء الآخرين.
ب- العنف والعدوان:
يذهب شوقي (1993 :23) إلى أن العنف شكل من أشكال العدوان، وأن العدوان أكثر عمومية من العنف وأن كل عنف يعد عدواناً. والعكس غير صحيح.
ويُشير عكاشة (2000 ،227) إلى أنه يمكن اعتبار العنف هو نهاية المطاف لسلوك عدواني مستمر، ويُفسر العنف على أنه إحدى وسائل التعبير عن النزعات العدوانية.
ويذهب عبد المختار (1992 ،157) إلى أن العنف والعدوان وجهان لعملة واحدة.
أما بالنسبة للتفرقة بين مفهومي العنف والعدوان، فقد قام بعض الباحثين بالتمييز بين العنف والعدوان لتفادي ضروب الالتباس بين المفهومين. وقد اعتمدوا في ذلك على أن العنف له طابع مادي بحت، في حين أن العدوان يشتمل على المظاهر المادية والمعنوية معاً.
إذ يُعرَّف حفني (1995 ،42) العنف بأنه سلوك ظاهر يستهدف إلحاق التدمير بالأشخاص أو الممتلكات، وأن العدوانية عنفاً ينبغي أن يتوافر فيها شرط الظهور؛ حيث أن ثمة سلوكيات عديدة من العدوان تتميز بالخفاء والكمون مثل مختلف أنواع المرض السيكوسوماتي.

وبالرغم من هذه التفرقة بين العنف والعدوان إلا أنه يؤخذ عليها الآتي:
1- أنها اهتمت بكل ضروب العنف المادي وأغلقت كل ضروب العنف النفسي أو المعنوي.
2- أنها اهتمت بالعنف الموجه ضد الآخرين والممتلكات وغفلت العنف الموجه ضد الذات.
ويتضح مما سبق تعدد وجهات النظر حول مفهومي العنف والعدوان. وفي إطار البحث الحالي سوف تعتبر الباحثة أن العنف هو نهاية المطاف بالنسبة للسلوك العدواني، سواء أكان هذا العدوان مادياً أم نفسياً، موجهاً ضد الذات أو ضد الآخرين.

جـ- الغضب والعدوان:
الغضب Anger يمثل استجابة انفعالية متزايدة، غالباً ما تظهر على نحو عدواني بطرق لفظية وبدنية، وبصفة خاصة حينما يُهدَد أو يُهاجَم الشخص. والغضب من الناحية النفسية يعني حالة انفعالية تتضمن كلاً من عزو اللوم لخطأ مدرك والدافع لتصحيح هذا الخطأ. ومن الناحية الاجتماعية يعمل الغضب كنوع من النظام التشريعي الذي يساعد على تنظيم العلاقات بين الأشخاص، أما العدوان فهو توجيه الأذى المقصود للآخرين أو للذات. ( Mcuigan, 1999: 16 )
وبهذا المعنى يوجد اختلاف بين الغضب والعدوان كما قد يظهر الغضب في العدوان، وهذا ما أشار إليه "باص Buss " في تمييزه بين العدوان الغاضب الذي يستثيره الإحباط، أو الهجوم من جانب شخص ما، ففي هذه الحالة يكون رد الفعل الشائع هو الغضب والذي عادة ما يتلوه العدوان الذي يُحدِث معاناة لفرد ما.
أما العدوان الذي قد لا يصاحبه غضب فهو العدوان الوسيطي، الذي يمليه التنافس على مركز أو سلطة أو أي شيء آخر يكون موضوعاً للتنافس. (عمارة:2008، 23)
هذا وقد اعتبر " باص وبيرى " Buss & Perry " (1992) الغضب بمثابة المكون الانفعالي أو الوجداني للسلوك العدواني، فهو يشتمل على الاستثارة الفسيولوجية والاستعداد للعدوان خاصة العدوان الغاضب Angery aggression.

وعلى صعيد آخر، فإذا كان التعبير عن العدوان يتم بشكل لفظي أو بدني فإن التعبير عن الغضب يأخذ أربعة أشكال هي:
أ‌- إدخال أو قمع الغضب.
ب- إخراج التعبير عن الغضب بطريقة سلبية غالباً ما تكون عدوانية بعيدة عن الفرد.
جـ- ضبط مشاعر الغضب.
د- انعكاس أو محاولة التحدث إلى شخص معين حتى يشعر بالتحسن ويحسم المشاكل بهدوء.
(Deffenbacher & Swaim :1999,23)
وتستخلص الباحثة من خلال التفرقة بين الغضب والعدوان، أن الغضب (كخبرة) يختلف عن العدوان (كسلوك)، وأنهما قد يحدثان معاً، أو قد يحدثان منفصلين، فليس بالضرورة أن يتحول الغضب إلى سلوك عدواني بطريقة حتمية، كما قد لا يحدث السلوك العدواني كنتيجة للغضب، وإن كان في بعض الأحيان قد يكون تعبيراً عن ذلك.

الدكتورة / ابتسام عبد الله الزعبي
كلية التربية - قسم علم النفس
جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن- الرياض

مشكورة وبارك الله فيك