النية الصادقة و النية الصالحة
ولتكن نيتك في حفظك لكتاب الله عز وجل ابتغاء وجه الله ورجاء مرضاته والرفعة في الجنات لا لتصيب به شيئا من أمور الدنيا من مال أو سمعه أو شرف منزلة. قال تعالى (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) الزمر1
قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) يعنى ريحها ( صحيح الجامع 6159
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ' ولا لتماروا به السفهاء ' ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار) ( صحيح الجامع 7370
وتذكر حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ
ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب .قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال كنت أقوم به آناء الليل و آناء النهار ، فيقول الله له : كذبت، وتقول له الملائكة كذبت، ويقول الله : بل أردت أن يقال أن فلانا قارئ فقد قيل ذاك ............) الحديث
وفى رواية مسلم (ولكنك قرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار). صحيح مسلم واللفظ لغيره .
الدعاء والإلحاح فيه
قال الله تعالى ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ( القمر 17
قال ابن عباس : لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل
وقال مطر الوراق :في قول الله تعالى ( فهل من مدكر ) أي فهل من طالب علم فيعان عليه
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( سنقرئك فلا تنسى ) فهو وحده سبحانه القادر على أن يجعل العبد يقرأ فلا ينسى .فإذا أردت حفظه فالجأ إلى الله عز وجل داعيا متضرعا في الأوقات التي يرجى فيها قبول الدعاء كجوف الليل وأدبار الصلوات كأن تقول
(اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا )
أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك وترزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عني .
الاستغفار وترك المعاصي
قال النووي : وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب
(صحيحي البخاري و مسلم)
أخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفا قال: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه لأن الله يقول ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) الشورى30
ثم قال الضحاك :وأي مصيبة أكبر من نسيان القرآن .
الصبر و العزيمة القوية
فكلما داومت على الحفظ وصبرت على ما تجده من المشقة في أول الأمر وجدت تيسيرا وهذه سنة الله عز وجل ( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) الشرح 5-6
( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) الطلاق 7 ( إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) يوسف90
وتذكر حديث عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران
(صحيحي البخاري ومسلم)
فمع الصبر على شدة الحفظ يضاعف الأجر
( وما يلقاها إلا الذين صبروا ) (فصلت 35) والله المستعان
تفريغ الأوقات
قال تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) واعلم أن ما ستنصرف إليه من أمور الدنيا لا يعدل آية من كتاب الله ولعل هذا هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الصفة (وهم مجموعة من فقراء المسلمين) (آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير من ثلاث وأربع خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل (صحيح مسلم)
قلة الانشغال بالدنيا
قال الحافظ في شرح حديث أسيد بن حضير ونزول الملائكة والسكينة لقراءته : (فائدة ) التشاغل بشيء من أمور الدنيا ولو كان من المباح قد يفوت الخير الكثير فكيف لو كان بغير الأمر المباح
قلت : أي لما انشغل أسيد بولده وهو من أمور الدنيا ومن المباح حرم من استمرار نزول السكينة والملائكة واستماعها لقراءته للقرآن .
الورد اليومي للحفظ والورد اليومي للقراءة
قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل). (صحيح البخاري
قال الحافظ : أخرج ابن أبي داود عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرئ القرآن خمس آيات خمس آيات
وقد ورد عن السلف أنهم كانوا يستقرءون القرآن خمسا خمسا وأيضا عشرا عشرا
فلذلك ينبغي لمن أراد أن يحفظ كتاب الله أن يجعل لنفسه قدرا من الآيات يحفظه كل يوم ويحرص عليه كحرصه على الطعام والشراب ولكن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فيجب عليك أن تعرف ما تطيق حفظه في اليوم الواحد وأن لا تحمل نفسك أكثر من طاقتها
نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ماينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه جواد كريم .
الاستذكار والتعاهد ومداومة التلاوة والدراسة
عن ابن عمر رضى الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعلقة ، إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت ) وعن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت ، بل نُسِّيَ ، واستذكروا القرآن ، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم ) ( الصحيحين
وقوله ( بل هو نُسِّيَ ) قال القرطبي : التثقيل معناه أنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره ، قال : ومعنى التخفيف أن الرجل تركه غير ملتفت إليه وهو كقوله تعالى (نسوا الله فنسيهم) أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة .
البكور
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم بارك لأمتي في بكورها) (صحيح الجامع 1300) فعليك أن تبكر بوردك من القراءة والحفظ بعد صلاة الفجر
* ليشملك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة
* وقبل انشغالك بأمور الدنيا التي تعوق الحفظ وتعطل عن القراءة
* ولصفاء ذهنك وراحة بدنك في تلك الساعة المباركة
ولتحظى بتلك المثوبة العظيمة المذكورة في حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة .
مصاحبة أهل القرآن ، وقراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبي بن كعب (إن الله أمرني أن أقرأ عليك : (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) قال : (وسماني) قال : (نعم ) فبكى ) ( البخاري ومسلم
قال النووي : واختلفوا في الحكمة في قراءته صلى الله عليه وسلم على أُبي ، والمختار أن سببها أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل.
فصاحب أهل القرآن ، واعرض عليهم ما حفظت من كتاب الله واستمع منهم ما يعرضونه عليك ففي ذلك من الفوائد ما لا يحصى : منها المواظبة و المداومة فإن العبد قد يمل منفردا ، فإذا اجتمع مع أقرانه وإخوانه حصل له من النشاط والمواظبة مالا يحصل لو انفرد
ومنها المحافظة على الأوقات . فإن العبد قد يشرد ذهنه إذا انفرد ، وقل أن يحدث هذا إذا عرض القرآن على أحد
ومنها تصحيح الأخطاء وتصويب التجويد
ومنها أن تذكر أخاك ما عساه أن يكون قد نسيه مما يحفظ كما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع قراءة الرجل في المسجد فقال : يرحمه الله لقد أذكرنى آيه كذا وكذا فيكون في ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا به مالا يخفى .
الإكثار من القراءة في الأوقات الفاضلة
الإكثار من القراءة في رمضان وفى العشر الأخير آكد ، وليالي الوتر منه آكد . ومن الأوقات التي يستحب الإكثار فيها من قراءة القرآن العشر الأول من ذي الحجة ، ويوم عرفة ، ويوم الجمعة ، وبعد الصبح ، وفي الليل .
الصلاة
وإني أنصح لك في هذا المقام بثلاث
( أولا ) :- قيام الليل بما تحفظ من القرآن وإن قل
قال تعالى ( من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) (آل عمران 113 ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره ، وإذا لم يقم به نسيه
( صحيح مسلم )
ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل : مازال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة فقال : ( بال الشيطان في أذنه ) ( البخاري ومسلم ) قال الحافظ : يراد به صلاة الليل أو المكتوبة
(ثانيا ) :- صلاة النوافل
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان ) قلنا : نعم . قال : ( فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان) ( صحيح مسلم
( ثالثا ) :- أما صلاة الفريضة فاقتد فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم
عن جابر بن سمرة قال ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ق والقرآن المجيد وكان صلاته بعد تخفيفا ) ( صحيح مسلم
المواظبة على قراءة ما كان يقرؤه النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات مخصوصة
عن أبي سعيد رضى الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم ( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ) ( صحيح الجامع 6470) . وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح ( الم تنزيل ) و (هل أتى على الإنسان ) وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون صحيح مسلم ) . وعن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفى الجمعة ( سبح اسم ربك الأعلى ) ، ( هل أتاك حديث الغاشية قال : وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين صحيح مسلم.
أن يقرأ ما حفظه في سيره وركوبه واضطجاعه وسائر أحواله
عن عبد الله بن مغفل قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح ) (صحيح البخاري ) وأما القراءة مضطجعا ففيها قول الله تعالى : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) ( آل عمران 190،191) وثبت في الصحيح عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن ) (البخاري ومسلم .
لزوم المساجد ، واستذكار القرآن بها
عن عقبة بن عامر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم ) فقلنا : يا رسول الله نحب ذلك . قال : ( أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين ، وثلاث خير له من ثلاث ، وأربع خير له من أربع ، ومن أعدادهن من الإبل ) ( صحيح مسلم ) قال النووي : ( بطحان ) موضع بقرب المدينة . ( الكوما من الإبل ) العظمة السنام .
حفظ السور التي وردت أحاديث في فضيلتها
قوله صلى الله عليه وسلم ( اقرؤوا الزهراوان البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان طير صواف يحاجان عن أهلهما يوم القيامة ) ثم قال ( اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ) صحيح مسلم)
الجهر بالقراءة
ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف إليه سمعه ولأنه يطرد النوم . ولأنه يزيد في نشاطه للقراءة ويقلل من كسله
وفى حديث عبد الله بن أبي قيس قال : (سألت عائشة فقلت : كيف كانت قراءته صلى الله عليه وسلم أكان يسر بالقراءة أم يجهر ؟ قالت : كل ذلك كان يفعل ، قد كان ربما أسر وربما جهر ، قال فقلت : الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) ( صحيح مسلم واللفظ له
وفي جهر من يحفظ القرآن بالقراءة عند حفظه واستذكاره فوائد كثيرة منها
تمرين اللسان على القراءة ، مما يسهل عليه النطق بعد ذلك
سماع الأذن حتى تألفه وفى ذلك عون له على الحفظ
تصحيح السامعين قراءة الجاهر بالقرآن إذا أخطأ فيستفيد ، فضلا عما يحصل لهم من النفع بسبب السماع.
الكتابة
قال تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * ) ( العلق 1-4 )
الحفظ العملي
وتذكر دائما حديث عائشة رضى الله عنها حين سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ( كان خلقه القرآن ) (صحيح مسلم ) قال صلى الله عليه وسلم ( القرآن حجة لك أو عليك ) ( صحيح مسلم